السبت، 19 سبتمبر 2009

تاريخ الإسلام والتعليم العربي في نيجيريا

تاريخ الإسلام والتعليم العربي في نيجيريا
1:2 موقع نيجيريا الجغرافي
الاسم الرسمي لنيجيريا هو جمهورية نيجيريا الاتحادية، وهى بلد علماني في غرب أفريقيا، وإحدى الأقطار الأربعة التي وقعت تحت الاستعمار البريطاني بل إحدى الأقطار العشرة ذات العدد الكبير في العالم.و الغالب بالعدد الكثير في القارة الإفريقية ولقد اتخذت نيجيريا حدها المكاني من المشرق ببلاد كاميرون، ومن المغرب بدولة ببين ومن الشمال بدولة نيجر. وكذلك المحيط الأطلسي من الجنوب.(1)
وتفيدنا المصادر التاريخية أن كلمة نيجيريا مشتقة من النيجير التي حرفت من نيغرو وهي في اللغة اللاتينية الزنجي الصغير والأسود القصير. وهي البلاد التي اصطلح عليها البر يطانيون باسم محمية ساحل نيجيريا (Niger Coast Protectorate) والبلاد الواقعة في حوض نهر نيجر (The territories in the Basin of the Niger) فتنطبق السمية على البلدان الواقعة دول بلاد نيغرو أو حول واد نيجر، حسب الفلسفة الاستعمارية البريطانية(2) .سكنها حسب إحصائيات عام 2004م، ما يزيد على (12088703) و في عام 2006م مائتين وخمسين مليون، وفي احصـائيات 2009م،بلغ 149،229،090. من رجال ونساء صغار وكبار.وبلغت النسبة المئوية للذين يعرفون القراءة والكتابة 68 .
وهي منطقة من المناطق الواقعة في غرب القارة الإفريقية ،بلغت مساحتها (356670) ميلاً مربعا، مما جعلها تعادل تقريبا مساحة غانة أربع مرات، ومساحة سيرالون ثلاث مرات ،ومساحة غامبيا تسع وثمانين مرة،ومساحة كلفونيا مرتين. ولها توزع على طول شمال جنوبي بمقدار ستمائة وخمسين (650) ميلا وفى العرض الشرقي الغربي سبعمائة وخمسين(750) ميلا واستطاعت أن تجمع في طياتها أكثر من ربع الشعوب الإفريقية،(3) . و تقع نيجيريا على الرابعة والرابعة العشرة درجة بين خط الاستواء(4).وهطول الأمطار فصلى ،تتساقط بالغزيرة الكثرة في جهات الجنوب الشرقي بينما تنزل باليسار والبساطة في جهات الشمال البعيد،نتيجة مدار السرطان التي كانت واقعة وقوعا كلياً في المناطق الحارة(5).والمناخ فيها متغير وهو الجنوب استوائي وفي الوسط مداري وفي الشمال يابس.ومناطقها المنخفضة في الجنوب مندمجة إلي الجبال الوسطية والسهل المرتفع وفي الجنوب الشرقي جبلية وفي الشمال منبسطة. وكان العرب يطلقون عليها كلمة (السودان) و(بلاد التكرور) وأرادوا بهما أصحاب البشرة السوداء بصفة عامة. ويشمل هذا الاصطلاح جغرافيًا ما عرف لذي المؤرخين باسم الحزام السوداني الممتد من قلب القارة الإفريقية من الشرق إلى الغرب. وهو الاسم الشائع لسكان غرب أفريقية في الحرمين ومصر والحبشة(6)
وفي مطلع القرن العشرين استطاع الحكم البريطاني أن يطلق اسم نيجيريا على هذه المنطقة وأرادبها جميع البلاد التي تقع حول نهر نيجيريا(7). وهي ذات الأديان الثلاثة وهي دين الإسلام والمسيحية والوثنية. فأول دين ظهر على وجه أراضي نيجيريا وهو دين الأصنام ثم جاء بعده الإسلام عن طريق شمال غرب إفريقيا إلى غربها ومن غربها إلى ما يســـمى بنيجيريا اليوم(8).وبلغ عدد المسلمين خمسين والمسيحيين أربعين واللادينيين عشرة في المائة. ذلك كانت الحياة الدينية في نيجيريا تتجاذب بعضها بعضا وتسرق الأضواء. فالمتأكد أن شعبا أو أمة ذات الأديان واللغات واللهجات والتقاليد والعادات الكثيرة لا تكاد تسلم من إراقة ماء الوجوه والضرر والضرار،ولم تكن هذه الأمور السلبية تقدح في وحدتها ولا في دولتها الديمقراطية. الديمقراطية هي النظام السياسي المستقر الآن، فقد سبقها أيام في هذه البلاد حيث تتداول الدولة بين النظام الديمقراطي والعسكري وذلك بالمعونة من الأمريكان ورجال الدولة في نيجيريا(9). ولها في النظام القانوني القانون الإنجليزي المألوف والقانون التقليدي والشريعة الإسلامية فيما لاتقل عن اثني عشر ولاية في الشمال النيجيري.
ونيجيريا من الناحية الاقتصادية دولة غنية ذات المعادن الطبيعية الكثيرة منها الغاز الطبيعي والبنزيل والقصدير والحديد التبري والفحم الحجري وحجر الكلس والرصاص والزنك والأرض الصالحة للزراعة، وهـي في المرتبة الرابعة بين الدول العالمية التي تصدر البترول إلى ولايات أميركا المتحدة وفى المنزلة السادسة في منظمة الدول العالمية المصدرة للبترول في عام 2000م . وهى في القرن التاسع عشر وما قبله كانت البضائع التي تركزت عليها هي الفلفل وكولا والفستق والكاجو مع تلك الغابات الكثيفة التي تستفاد من أخشابها ومحط الرجاء والكعبة التي يطوف حولها الأفارقة غربها وشمالها، ولم يزل ربوع العالم يتطلع عليها لما فيها من الأرزاق والآثار العجيبة والحظوظ التي جعلتها في القارة الأفريقية قبلة مقدسة وملجأ الاستعانة والاستغاثة. (10) وتتمتع هذه الدولة بكثرة القبائل التي تبلغ مائتين وخمسين قبيلة، أشهرها قبائل يوربا وقبائل هوسا وقبائل إيبو إضافة إلى بعض قبائل أخرى ليس لها شهرة كالقبائل الثلاثة المذكورة مثل فلاني وبربر ونوفي وغيرها. فالنسبة المئوية لقبيلة هَوُسَا وفُلَانِي 29 و21 ليَوْرُبَا و18 لِإيبَوْ و10 لِإجَوْ و4 لكَنُورِ ولِإبَيبَوْ 3.5 ولتِيفِي 2.5 .
فهي الآن في التقسيم السياسي لبلدانها مقسمة إلى ما تتراوح ستة وثلاثين ولاية، عاصمتها أبوجا، تحت رئاسة الحاج عمر موسي يَارَدُعَا
2:2 دخول الإسلام إلى نيجيريا
كان الإسلام دينا سماويا عالميًا ارتضى الله به ويدين به الأنبياء والمرسلون قبل نزول القرآن الكريم الذي أنزله الله بواسطة جبريل من جمل واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وذلك إن سيدنا إبراهيم وغيره من الأنبياء سمو قومهم بمسلمين في مثل قوله تعالى:
قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى
والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون(11)
فكما كان القرآن سببا لا ينكره القريب والبعيد لوجود الإسلام في قارة آسيا بل في الجزيرة العربية ببركة ما ينزل به جبريل بإذن ربه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات حسب الوقائع والقرائن في مدة ثلاث وعشرين سنة. فبدأ انتشار الإسلام من مكة إلى المدينة وأرجاءها وإلى جميع العالم اليوم.
تفيدنا المصادر التاريخية أن أولية دخول الإسلام إلى القارة الأفريقية ترجع إلى تلك الهجرة الأولى التي قام به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تستنير المدينة المنورة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك حين وجه سيد الخلق أصحابه ببطن مكة في فجر الإسلام أن يهاجروا إلى الحبشة التي كانت منطقة من المناطق الإفريقية(12) وثبت في كتاب أسد الغابة لابن الأثير أن هذه الهجرة تكررت مرتين في حياة الدعوة الإسلامية فهؤلاء مهاجرة الحبشة هم السابقون الأولون إلى الإسلام كما كان النجاشي وقومه أسبق الناس إلى الإسلام في القارة الإفريقية بدليل إسلام النجاشي وقومه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم(13) والحبشة بالإطلاق أفضل أجناس السودان وخصيان الملوك الأكابر منهم، وهم نصارى وفيهم بالساحل مسلمون(14) ولقد أشار الشيخ القزويني إلى جغرافية الحبشة وإسلام أهلها بقوله:
هي أرض واسعة شمالها الخليج البربري وجنوبها البر وشرقها
الزنج وغربها البجة. الحر بها شديد جدًا وسواد لونهم لشدة
الاحتراق وأكثر أهلها نصارى والمسلمون فيها قليل، وهم من
أكثر الناس عددًا وأطولهم أرضا، لكن بلادهم قليلة وأكثر
أرضهم صحارى لعدم الماء وقلة الأمطار.(15)
فثبت في المراجع التاريخية أن بلاد الحبشة كانت من السودان بالإطلاق العام في العهد الإسلامي وإليه يشير الشيخ ابن كثير في كتابه: تعريف بالأعلام الواردة في البداية والنهاية حيث قال:
السودان: يطلق هذا الاسم بصورة عامة في العهد الإسلامي
على بلاد إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى ما بين بلاد مالي
حتى الحبشة. وقد اختصت بهذا الاسم في العصر الحديث
جمهورية السودان الواقعة جنوبي جهورية مصر.
ولعلنا بهذه الاستطراد التاريخي تمكن القول بأولية هبوط الإسلام في الحبشة التي تعتبر قطرًا من الأقطار الإفريقية الشمالية، فمنها انشر الإسلام إلى ما جاورها من البلدان مثل الشام ومصر في عهد عمر بن الخطاب حين ولي عمر بن العاص على هذين البلدين ثم زاد انتشاره عند توليته رضي الله عنه ذلك الصحابي الجليل عقبة بن نافع على شمال أفريقيا وفتحها وأسس بها مدينة القيروان وجعلها مركزًا لانطلاق دعوته وترك بها جالية عربية إسلامية وكان لا ترتعد فرائض هذا الصحابي الجليل في عهد يزيد بن معاوية يحمل لواء الدعوة نحو بلاد السوس حيث أسلم قبائل المصامدة واستمرت به الحال حتى انتهي إلى البحر المحيط الأطلسي كما سار نحو الجنوب حتى صادف قبائل صنهاجة وأسلموا على يديه. وما استكان حتى دخل طنجة ونزل بأطراف بلاد السودان بعد دخوله بلاد غانة وتكرور، قدر الله إسلام بعضهم على يديه رضي الله عنه ولما طرق كل الأبواب وانتهي إلى البحر المحيط وأقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره قال قولته المشهورة:
اللهم إني أشهد أن لا مجاز ولو وجدت مجازا لجزت
ثم انصرف راجعًا واغتاله بعض البرابرة. فالصحابي الجليل عقبة بن نافع باعتبار هذه السلسلة التاريخية المتواترة، أول من أدخل الإسلام إلى غرب إفريقيا وزعيم إسلامي استشهد في سبيل الله(16)
أما دخول الإسلام إلى ما يصدق عليها اسم نيجيريا اليوم، يعود إلى دخوله إلى مملكة برنو، وكانم التي قامت على التعاقب حول بحيرة شاد والتي اكتسحت بلاد هوسا جنوبًا والتي اتخذت برنو عاصمتها في أيامها الخالية عن طريق مصر وشمال إفريقية منذ القرن الخامس الهجري والحادي عشر الميلادي(17) وكان أول معتنق الإسلام فيها (السلطان أومى جلمي) الملك الثاني عشر في عداد ملوكهم قبل الإسلام وكان حكمه في الفترة ما بين عامي (479-490هـ-1085-1097م)، على يد محمد بن ماني الذي استطاع إقناع السلطان بالدخول في الإسلام بعد قدومه إلى البلاد خمسة أعوام.(18)
وصحت حسب المصادر التاريخية نسبة إدخال الإسلام في بلاد هوسا إلى ذلك الرجل العربي المسلم (هوذة أبو زيد) الذي فرّ عن اغتيال الدولة العباسية التي كان تتبع آثاره إذ هو من بقايا بني أمية المشردين بقيام دولة بني العباسي السفاح(19). وكانت مدينة كشنه أسبق بلاد هوسا إلى ميدان الحضارة والعمران لما تتمتع بها من وقوعها على طريق القوافل المارة من تمبكتو إلى برنو ومصر وفيها سوق كبيرة يحضرها البرابرة والونا غرة والعرب، أواسط القرن الثاني عشر الميلادي. فالمشهور هو أن أهلها هم السابقون الأولون إلى الإسلام في بلاد هوسا فمنهم انتشر الإسلام إلى مدينة كنو في القرن الثالث عشر الميلادي. وهذا لا ينافي ما ذهب إليه بعض المؤرخين في نسبة أولية الإسلام إلى أهل كنو الذين عرفوا الإسلام على أيدي الونا غرة الذين نزحوا من مدينة كشنه كما عرف الونا غرة الإسلام على أيدي العرب والبرابرة، لما قد أشار إليه الإلوري حيث قال:
والواضح أنها (أي مدينة كنو) صارت بلاد إسلامية
في القرن الخامس، بعد أن كان الإسلام ينتشر بالتدريج قبل
ذلك بزمن، إذ لم يكن هناك فتح أو استيلاء لأحد عليهم
وعلمنا بذلك أن وقت انتشاره وذيوعه غير وقت
دخوله واعتناقه.(20)
ثم انتشر الإسلام من شمال نيجيريا إلى جنوبها فالحقيقة إن الإسلام لم يظفر في فجره في بلاد يوربا بمن يقوم بمعنوياته في جمع بين الدعوة والجهاد في سبيل الإسلام كما في بلاد غانا ومالي وهوسا. فسبب ضعفًا في انتشاره وبطئًا في ذيوعه على أيدي التجار المتجولين الدعاة المجهولين وكانوا يستخدمون المناهج الدعوية الميسرة في دعوتهم إلى الإسلام حسب طبيعة الحال.
وإنما يعود تاريخ الإسلام إلى بلاد يوربا في القرن الثالث عشر الميلادي، في عهد المنساموسى سلطان مالي، إذ كانت هناك علاقة تجارية بين العرب وشمال إفريقيا وثبت في تاريخ يوربا أن أهل مدينة أويولى عرفوا الملح من أيدي البيضان (العرب) ولما وقع الاحتكاك التجاري بين اليوربا وبين الملويين ورأوا منهم دينًا جديدًا غير دينهم نسبوه إلى أصحابه فقالوا معبرين عن الإسلام. دين مالي أيسن مالي(21)
هذا، فإن الفضل يرجع في انتشار الإسلام في القارة الإفريقية غربها وشمالها إلى ثلاثة أصناف من البشر. أولهم الغزاة الفاتحون المسلمون الذين عملوا على نشر الإسلام وتوطيد السبل وتمهيد الطرق بفتوحاتهم أمثال عقبة بن نافع الصحابي وقومه والأدارسة والمرابطين والموحدين والحفصيين والملاويين والونا غرة والسنغاليين والفلانيين والبرناويين. وثانيهم وهم التجار المتجولون المسلمون الذين كانوا يضربون على الأرض ناقلين البضائع والسلع التجارية من مكان إلى مكان آخر، أمثال الفينيقيين والقرطاحيين والرومان والعرب. وثالثهم وهم الدعاة الصوفيون الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقة فكانت رابطة روحية وروضة نفسية بل رياضة تعبدية تسمو إلى النماء الروحي بالملأ الأعلى. أمثال الطريقة القادرية التي دخلت إلى نيجيريا على يد مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني لما اجتاز ببلد (قورانمودا)Kaura-Namuda) التي تكون اليوم من البلدان الواقعة في ولاية زمفرا.(22) عند سياحته. ومن بين هذه الطرق الطريقة التجانية التي انتشرت انتشارا هائلاً بين قبائل نيجيريا اليوم وكثر فيها الأدعياء. والطريقة السنوسية التي لم تظفر بمقدار ما ظفرت به أختاها من الانتشار والذيوع.
3:2 حركة التعليم العربي في نيجيريا.
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولسان التنزيل وأساس الإسلام وترجمان عباداته ومفتاح نور السنة المطهرة ووشيجة القربى بين مسلمي مشارق الأرض ومغاربها وهي اللغة الثرية ذات القابلية العجيبة للتطور وهي الوعاء الأمين للتراث الإسلامي والعربي، ولقد وصفها البروفيسور (هانرى باستيد)، يقول:
إنها أي اللغة العربية أكثر لغات الوجود روحانية،
وحتى أن بعض القسيسين في بيروت يخططون الآن بجد
لاحتلالها محل اللاتينية في مجال تثقيف الشبيبة
وتربيتهم الروحية.(23)
وعلى مدى توالي عصور التاريخ الأدبي فإن اللغة العربية لم تفتح العين على مثلها بفصل ما لعبته من الأدوار المهمة في تاريخ الإنسانية، وما اكتسبته من الخلفيات الثقافية المتباينة والحضارات المشرقة الجوانب وهي على جناح سفر عظيم في تاريخ قدرتها ونضجها على التعبير عن جميع متطلبات المجتمع البشرى من تدوين الدواوين وتنظيم الحكومة وسياسة الملك ومقتضيات الحضارة من أداة وطعام وزينة(24) وهي لا تمشى برجل من أبي واستطاعت أن تلعب دورها الريادي في العلوم التي هي الدعامة الأولى للنهضة الحديثة في أوربا، ولقد اعترف على ذلك المجد المؤرخ الكبير "فيليب في بعض فرائده حيث قال:
فيما بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر الميلادي، فإن كثيرًا
من المؤلفات الفلسفية والطبية والتاريخية والفلكية والدينية"
والجغرافية كانت مكتوبة باللغة العربية، ولا تزال
لغات أوربا تحمل ألفاظا عربية مقترضة(25).
ليس الإسلام هو السبب في وجود العربية على شبه جزيرة العرب بل هو العامل القوي والحجر الأساسي في انتشارها والإقبال على تعلمها وتعليمها، وهذا هو سر تعلق المسلمين بها وتفانيهم في محبتها ومحاولة خدمتها لاسيما أولئك الذين من الله عليهم بالإيمان بها وإسلام وجوههم لها من غير العرب في إفريقيا وآسيا، أمثال الشيخ الشيرازي والسندى والحلبي والزنجاني والجبرتي والأفغاني والأشموني والقلقشندى والصقلي والقيرواني والمراكشي والضهاجى والقرطبي والفيروزابادى والبخاري والفودي والألو ري. فكأنهم افتطنوا إلى ما في عمق الارتباط العضوي بين الإسلام واللغة العربية في مثل ما رواه الحافظ من عساكر الدمشقي قال: جاء قيس بن مطاطية (وهو يهودي) إلى حلقة، فيها سلمان الفارسي ومهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: "هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا، (يعني النبي صلى الله عليه وسلم). فما بال هذا وهذا؟ (مشيرًا إلى غير العرب من الجالسين) فقام إليه معاذ بن جبل رضي الله عنه، فأخذ جلابيبه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقاله. فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا يجرّ رداءه حتى أتى إلى المسجد، ثم نودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطبهم قائلاً: يا أيها الناس، إن الرب واحد، وإن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمنّ تكلم بالعربية فهو عربي"(26)
فالعربية إذن لغة القرآن والإسلام تجب أن تتحرر من الإقليمية والعنصرية الضيقة لتصبح أداة التفاهم بين المسلمين على اختلاف أجناسهم بل لغة التخاطب في الشئون الدبلوماسية والتجارية والسياسية.
وعلى أساس المناقشة فإن اللغة العربية في شمال إفريقيا لغة قديمة العهد عامل في انتشارها العلاقة التجارية التي بدأت في القرن السابع الميلادي وازدهرت بعد القرن الحادي عشر. والدعوة الإسلامية التي كانت ببركة مهاجرة الحبشة ذلك أن العربية موجودة في جميع أنحاء إفريقيا بدون استثناء والشعوب المسلمة فيها يحيون العربية ويهتمون بها على ما بينهم من تفاوت لا يصعب تفسيره. ويلاحظ أن العربية دخلت أفريقيا قبل أن تستنير المدينة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك حين وجّه سيد الخلق أصحابه ببطن مكة في فخر الإسلام، أن يهاجروا إلى الحبشة التي كانت من الأقطار الإفريقية. ثم أنشرت منها إلى إرجاء الإفريقية الغربية وكانت اللغة العربية فيها لغة كلاسيكية وذلك لإسهاماتها المميزة في فهم تاريخ الغرب الإفريقي وثقافته المتعددة(27) ولقد أشار "ديفدسن" إلى ذلك الإنجاز الأكبر الذي قامت به اللغة العربية في الانفتاح على التراث التاريخي الإفريقي الغربي حيث قال:
إن وهب بن منبه هو أول من دون تاريخ منطقة جنوب
الصحراء سنة 738م باللغة العربية، مما يدل على ارتباط
تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء باللغة العربية(28)
فالمعروف إن اللغة العربية تحتل بكل مكان احتل به الإسلام فكان هو السب الرئيسي والحجر الأساسي في نشأة اللغة العربية في كثير المناطق غير الناطقة بالعربية مثل نيجيريا. وأنا بالذات لست مع الدكتور أحمد شيخو غلادنتثي في إثبات العلاقة التجارية كالحجر الأساسي للغة العربية في أفريقية حيث قال:
فهذه العلاقة التجارية إذن هي التي وضعت
الحجر الأساسي للعربية في أفريقية.(29)
كما أنا لست شبعانا ولا مرتاح القلب بطريقة سار عليها الدكتور حمزة إشولا عبد الرحيم(30) في نقد رأي غلادنتثي بقوله:
وكما أسلفنا فإن التعليم العربي في الدول الناطقة
بغير العربية دائما يكون راجعًا إلى سبب ديني، لكن
غلادنتش يرى أن السبب تجاري، حيث أوجبت
المعاملات التجارية بين شمال إفريقيا وسكان جنوب
الصحراء وجود لغة التعامل بين الشعبين.(31)
ولعله لا يهتدي إلى ما في قول الدكتور حمزة من الانتقاد البارد لرأى الدكتور غلادنتثي، إلا من نوّر الله بصيرته لما في القول من المراودة في النقد وذلك أنه جزم القول في إرجاع نشأة العربية إلى الدين في الدول الناطقة بغير العربية بقوله: "دائما". ثم رمز إلى عدم موافقته مع الدكتور غلانتثي في نسبة السبب في كتابة الدكتور حمزة اسم الدكتور أحمد شيخو غلادنتثى خلاف الطريقة المألوفة لدى الناس، لأن الدكتور المنقود يكتب غلادنتثى والدكتور الناقد كتب غلادنتش، ليطمئن القارئ على مخالفته في هذا الرأي. فظهر في قوله أنه يشك في رأى غلادنتثى لكنه لم يأت بالدليل ولا البديل.
وأنا أقول أن السبب في نشأة العربية في المناطق العجمية دائما يكون دينيًا وذلك أن التجار العرب الذين نزحوا من بلادهم وجاءوا إلى إفريقيا، اتخذوا الدعوة الدينية غرضا والتجارة وسيلة. وهناك فرق بين الغرض والوسيلة والدليل على ذلك هو مهاجرة الحبشة الذين جاءوا الإفريقية للغرض الديني دون سواه. وانتشار اللغة العربية مع سبقها لغيرها من اللغات الأجنبية دليل على أن الدين هو الغرض الأساسي في سياحتهم والتجارة وسلبية لأن القينيقيين والقرطاجنيين والرومان هم الأولون في فتح طرق التجارة والسياسة بين بلادهم وبين قبائل الزنوج.(32) وليس في الإفريقية وجود اللغة الفينيقية والقرطاجنية والرومية، لماذا؟ لأنهم جاءوا إليها لغرض التجارة ولما اخترمت التجارة اخترمت معها هذه اللغات بخلاف العربية التي كانت موجودة ومنتشرة في جميع أنحاء أفريقيا بدون استثناء والشعوب المسلمة فيها يشق الأنفس يحيون العربية ويهتمون بتعليمها.(33) ولعله من الصواب في هذا الصدد أن نقول أن الدين هو السب الرئيسي والحجر الأساسي في دخول اللغة العربية ونشأنها في الإفريقية غربها وشمالها، وأن التجارة هي العامل عبر العصور في انتشارها في هذه القارة.
وأما دخول اللغة العربية إلى نيجيريا فيرجع إلى وقت الإسلام فيها منذ أوائل القرن الأول الهجري، وحيثما تمكن الإسلام من الحكم صارت العربية لغة الدولة ولغة الكتابة والقراءة ولغة التعليم والتربية ولغة التاريخ والتشريع.(34) ولقد تبرهن على هذه الظاهرة ما حدث في أيام تلك الممالك العربية الإسلامية التي قامت في غرب إفريقيا مثل مملكة غانة ومالي وسنغاي وبرنو وكانم. وهي من حيث اعتبار دخولها لغة كانت لم تزل كلمح تلوح فولجت من شمال إفريقيا إلى برنو عن طريق مصر ثم إلى كاشنه وكنو وصكتو ومنها انتشرت إلى جنوب نيجيريا بجهود بعض العلماء البرناويين الذين حملوا لواء الدعوة الإسلامية إلى الجنوب. كما انتشرت هذه اللغة ببركة التوجيه الدعوى الذي أشاد به الشيخ عثمان الفودي بقيادة الشيخ صالح (عالم) بن جنتى فأسس دولة إسلامية بمدينة إلورن التي هي همزة الوصل بين شمال نيجيريا وجنوبها في الدعوة الإسلامية والتعليم العربي بل هي الملتقى الدين والمنتدى الإسلامي الذي يستمد منه الجنوب هداه الإسلامي.(35)
ولعله، ليس من النفاق المستتر ما ذهب إليه بعض رجال الفكر العربي في هذه الديار من إن اللغة العربية في نيجيريا لغة محلية بدليل وجود جالية عربية مسلمة (شوا العرب) يتكلمون باللغة العربية ويتفاهمون بها في الأسواق وهم شعوب نيجيريون سكنوا في انغالا، ميدوغوري، ولاية برنوا، ولقد افتطنت الحكومة النيجيرية إلى هذه الحقيقة فبنت فيها قرية اللغة العربية، عام 1992م لكنها لم تعترف بقيمتها فخانتها بالإهمال. فالعربية في نيجيريا اليوم لم تزل لغة الدين والتدريس والكتابة بين المهتمين بها على رغم طغيان الدولة واشتداد أعاصير الظلام عليها بالحروب التوسعية المعادية ورغم البدع الفاشية في تفكيك مناهجها التربوية. فتشاهد اليوم في كثير من المدن الرئيسية النيجيرية مدارس عربية على مراحل ابتدائية وإعدادية وثانوية وعالية جامعية مستقلة (أي خاصة بتدريس اللغة العربية وحدها) مثل دهاليز العلماء في شمال نيجيريا ومركز التعليم العربي في لاغوس ودار العلوم لجبهة العلماء في مدينة إلورن كلها في جنوب نيجيريا.(36)
ومدارس أخرى تجمع بين التعليم العربي والإنجليزي مثل المدارس العربية الحكومية والأهلية في شمال نيجيريا مثل كلية أبوبكر غومي للدراسات العربية والإسلامية وغيرها والمعاهد الأدبية للشيخ كمال الدين الأدبي في إلورن والمعهد النيجيري في إبادن في جنوب نيجيريا. إضافة ما تتمنع بها العربية في بعض جامعات نيجيريا وللعربية مقامة الاحترام في جميع الجامعات الشمالية النيجيرية وفي بعض الجامعات الجنوبية النيجيرية مثل جامعة لاغوس وابادن إلورن وغيرها.
ولقد بارك الله في النهضة العربية في نيجيريا ببركة ما فيها من العوامل المساعدة في تطوير العربية منها، المدارس العربية والمكتبات العربية والمطابع العربية التي صيرت المجلدات من الكتب تقنتي بثمن بخس دراهم معدودة، ومنها مجاورة نيجيريا لبعض الأقطار العربية مما جعلنا نستمع إلى البرمجة العربية في الإذاعة العربية بالإضافة إلى البعثات التعليمية الذين نأخذ منهم العربية مباشرة في الجامعات والمعاهد الكبرى.
4:2 حركة التعليم العربي في بلاد يوربا
لقد استعرض الباحث عضلاته في إفراد القول وتفصيل المبحث لهذا الموضوع لشدة رغبته في بناء دراسته على أساس علمي يحسن انتقاؤه بدقة وروية وتأمل الخطى المنهجية. لأن محاور دراستنا وقبلة أنظارنا تدور حول البيئة اليورباوية التي كانت هي الميقات المكاني الرئيسي للزمرة المؤمنين (أصحاب العمائم الكبيرة في نيجيريا وإن كان لهم ذكر لا بأس به في غير بلاد يوربا.
احتلت جغرافية بلاد يوربا في غرب إفريقيا، وتمتد من حدود جنوب نهر النيجر شمالا وشرقا وإلى المحيط الأطلسى جنوبا وحدود الداهومي غربًا(37) وتجد في الجنوب الشرقي قبيلة أَيْدَوْ وفي الجنوب الغربي ترى شعب (غى) أمثال أبغن، وفن، وأورى. وفي الشمال الغربي قبيلة برغو المشهور ببربا ويورغلوا. وفي الشمال قبائل نوفي أما الشمال الشرقي قد اتخذتها قبيلة إغالا مسكنًا، ومن لف لفهم. ولقد انتشرت القبائل اليورباوية في الإفريقية وخارجها نتيجة تجارة العبيد والامتداد الثقافي مثل جمهورية بينين (دهومي سابقًا) وبلاد توغو وسيراليون وبرازيل وكبا وكوئتاريكو وترناد وتوبغو. وتوجد قرية يورباوية اليوم في أميركا، تدعى قرية أَوْيَوْتُنْجِي الإفريقية لها ملكها اسمه أَسِيجَمَنْ أَدَيْتُنْجِي الأول (38)
وفي القديم تعرف يوربا في بلاد كوبا بعدة أسماء منها أَوْلُكَامِي ولُكُومِي المنحرف من كلمة (Olukumi) بمعنى صديقي الحميم كما عرفت باسم أكو (Aku) المشتق من تحيتها اليوباوية وبهذا الاسم تسمى به في سيراليون.(39)
وإنما يعود تاريخ دخول العربية إلى بلاد يوريا، على وقت دخول الإسلام فيها. فكانت اللغة العربية هي الوسيلة في ضبط تاريخ البلاد اليورباوية وتدوينه، إذ دون أول دون من تاريخ بلاد يوربا باللغات المحلية المكتوبة بالحروف العربية وقد اعترف بذلك الأسقف جونسن في كتابة "تاريخ اليوربا" أن اليوربا قبل وصول الإنجليز سجلوا أفكارهم بالحروف العربية.(40) وكانت اللغة العربية رسمية في بعض البلاد المحلية في بلاد يوربا(41) ولقد رجع الشيخ الإلوري أصلهم إلى يعرب بن قحطان واستدل على صحة قوله ما يوجد لدى يوربا من آثار الفن الفرعوني من المسلة الحجرية وتمثال الرؤوس المصورة من الحزف وبعضها من النحاس وبعضها من الحجارة ومنها تلك الكتابات الهيروغليفية وطريقة التقبير وتدفين موتاهم ونحو ذلك مما يثبت العلاقة بين سكان أليفي الذي هو الميقات الأصلي لليوربا وبين المصريين القدماء.(42)
ويظهر مما سبق أن فضل دخول اللغة العربية إلى بلاد يوريا يعود إلى أولئك الدعاة والصوفية والتجار من البرناويين والهوسويين الذين راحوا على نشرا الإسلام وثقافته في البلاد، كما يرجع فضل انتشارها في بلاد يوربا إلى الشيخ تاج الأدب وجماعته الأدبيين والشيخ يوسف الأبهجي وجماعته الزمرة المؤمنين (أصحاب العمائم الكبيرة) والشيخ أحمد الرفاعي بلو والشيخ مدثر عبد السلام والشيخ مرتضى عبد السلام والشيخ عبد الرزاق عبد الرحمن.
ويتبرهن على نهضة العربية في بلاد يوربا وجود مدارس عربية، أهلية وحكومية ذات مراحل إعدادية وثانوية وعالية مثل المعاهد الأدبية في إلورن ودار العلوم لجبهة العلماء ومركز التعليم العربي ودار الإرشاد والإسعاد. في لاغوس والمعهد العربي الإسلامي ومدرسة النهضة العربية في إبادن والمركز الإسلامي الثقافي إضافة إلى ما فيها من النشاطات الحية في تأليف الكتب العربية. وليس من المعتبر ما ذهب إليه بعض الباحثين في هذه الديار من تقليل شأن بلاد يوربا نحو التعليم العربي مثل الدكتور غلانتثى في حركته حيث جعل نيجيريا موقع بحثه الجغرافي وأنساه الشيطان تلك المجهودات التي قام به أولئك العلماء قديما وحديثا نحو تطوير اللغة العربية وثقافتها في بلاد يوربا. ولا غرو في ذلك إذ قد استهان رجل سامي اسمه الشيخ محمد مصطفى بمكانة علماء نيجيريا في العلم فقال: أنه وجدهم على الجهل فرد عليه الشيخ آدم في لمحات البلور(43) وهكذا أفضى مثل هذا البلاء إلى إهانة جهور الزمرة المؤمنين نحو العربية وثقافتها في بلاد يوربا خاصة وفي نيجيريا عامة.
5:2 الأدب العربي النيجيري وتحديد عصوره الأدبية
لاشك أن الأدب هو أحد أشكال التعبير البشرى عن مجمل عواطف وأفكار وخواطر وهواجس يجعلها الإنسان المتمكن في الأساليب الكتابية المتنوعة الأغراض والفنون وبهذا التنوع تتضح للإنسان أبواب القدرة للتعبير وأكاليل المملكة للتخيل أمام ارتباط الأدب باللغة ارتباطا وثيقا. فالنتاج الحقيقي للغة والثقافة المدونة بهذه اللغة العربية يكون محفوظا ضمن أشكال الأدب وتجلياته مع اختلاف المناطق والعصور.
فالأدب العربي النيجيري هو عبارة عن الأعمال الأدبية التي جادت بها قرائح علماء نيجيريا في عهدها القديم والحديث سواء كانت مكتوبة باللغة العربية، أو باللغة المحلية المكتوية بالأبجدية العربية التي اصطلحت عليها بالكتابة الأعجمية. وهذه الإنتاجات الأدبية هي بمثابة التراث الأدبي النيجيري الذي قد ضاعت بأكثرها يد الضياع. ولولا تلك عوامل النهضة الأدبية التي أسادت بها مصر العربية في العصر الحديث، لما خرجت انتاجاتنا الأدبية من حيز العدم إلى حير الوجود (44).
هذا، فإن الأدب العربي النيجيري لم يزل من بين الظواهر الاجتماعية المتأثرة بغيرها من الظواهر الأخرى كالحياة السياسة والاجتماعية والنشاطات الفكرية والحضارية للوطن النيجيري والبيئة الطبيعية التي ينشأ فيها. فأصبح بذلك أدباً ومرآة صادقة وعابرة عن جميع مجالات الحياة المتعددة الجوانب، ومن حيث السعادة والشقاوة والعواطف والانفعالات والأحلام والتشاؤم والتفاؤم والتقدم أو الخلف والتطلع إلى المستقبل (45).
يرجع تاريخ المحاولة في تحديد العصور الأدبية للأدب العربي إلى مطلع القرن العشرين، حين رأت الجامعة المصرية ضرورية تأليف كتب الأدب للدراسة في الجامعات على الطريقة التي ارتضتها الجامعة في عام 1907م. وألحت على بعض كتّاب العصر للقيام بهذه المهمة، فتقدم كثير منهم أمثال جرجي زيدان ومصطفي صادق الرافعي. فكان تقسيم العصور الأدبية في العالم العربي إلى خمسة عصور هو المحاولة الأولي في هذا المجال. وهي: العصر الجاهلي، عصر صدر الإسلام، العصر الأموي، العصر العباسي، العصر الانحطاطي أو عصر الدول المتتابعة، والعصر الحديث. ولقد تمادي ببعض مؤرخي الأدب تفكيرهم الثاقب حول بعض ظواهر الحياة الاجتماعية الفارقة بين انتاجاتنا الأدبية فقسموا الأدب العباسي إلى أربعة عصور، شملت خمسة قرون أربت عليها السلطة العباسية. ولعل الرأي السديد هو ذلك القائل برباعية العصر العباسي ،لأن صور الحياة الفكرية والوجدانية لا تستقيم علي حال واحدة ، وحتى تكون تلك المدة الطويلة عصرا واحدا لمطابع واحدة وسمت معين وخصائص واحدة(46) .
أما تحديد العصور الأدبية للإنتاجات الأدبية في نيجيريا لخطوة جديدة لم تكن في القرن الثامن والتاسع عشر، بل نشئت في العقد الثامن من القرن العشرين لضرورة احتياج الدراسة الأدبية إلى التحديد الزمني لتسهيل الدرب إلى معرفة أحوال الأعمال الأدبية من زمن إلى آخر من ناحية القوة والضعف أو التقدم والانحطاط في هذه الديار. فانقسم الأدباء في نيجيريا في هذا التحديد إلى فريقين: فريق يتزعمهم الدكتور على أبوكر، يرى هذا الفريق تحديد الأدب حسب القرون التي عاشت فيها الأدباء، وينتقل من أعمال أدباء قرن إلى قرن آخر. مع التنبيه اللازم والإشارة العابرة عن الفوارق كل قرن من حيث الازدهار والإضمخلال. والحقيقة أن أنصار هذه الفكرة تأثروا كلّ التأثير بالأدب الأنجليزي الذي كان هو الأدب الغالب والغزو الفكري للثقافة العربية وآدابها في هذا الوطن العزيز (47)
وأما الفريق الثاني من مؤرخي الأدب العربي النيجيري، فإنهم يرون التحديد بالعصور متأثّرين بالأسلوب السائد في تقسيم العصور الأدبية في العالم العربي .ولعله ليس من المبالغة إذا قلنا أن الشيخ آدم عبد الله الإلوري سبق جميع مؤرخي الأدب في نيجيريا خاصة، وفي غرب أفريقيا عامة إلي فكرة ضرورية التحديد للأدب العربي النيجيري حيث قال:
إنه يرتبك دارس الأدب العربي في هذه البلاد، إذ يحد نفسه تجاه مفترق الطرق لا يدري أين يتوجه، هل يصير على طول القرون فيخرج من قرن إلي آخر ويستقصى ما فيه من علماء وشعراء والقرون التي نهضت بالأدب عديدة وركابها صعب أو ينهج منهج القبائل ويحضر الأدباء والعلماء في حدود كل قبيلة والقبائل التي أنجبت العلماء والأدباء متشعبة...(48)
هذا، فإن الشيخ الإلوري هو أول من ألقي دلواه في دلاء تحديد العصور الأدبية في هذه الديار، مع اعترافه الظاهر بالمذهب المستحسن لتحديد العصور الأدبية في البلاد العربية اليوم، وإعجابه بالأسلوب الذي سار عليه ذلك الكاتب القدير التونسي حسن حسني عبد الوهاب في كتابه تاريخ الأدب التونسي.
وهذا هو التحديد عند الشيخ الإلوري:
1- العصر البرنوي أو البربرى: بدأ بدخول الإسلام إلى الجزء الشمالي النيجيري في القرن الخامس إلى السابع الهجري.
2- العصر الونغري: بدأ من القرن السابع إلي التاسع الهجري ويصادف هذا العصر عصر النهضة العلمية بتمبكتو وجني وغيرهما.
3- عصر المغيلي: استهل العصر من القرن السابع وانتهي في القرن الحادي عشر الهجري.
4- عصر الفلاني: بدأ بظهور بن فودي وقيام دولته إلى أن سقطت سلطته تحت أقدام الإنكليزيين (أصحاب الغزوات الفكرية المعادية للإسلام واللغة العربية).
5-العصر الإنكليزي:فبدايته من مطلع القرن العشرين إلى وقتنا الحاضر(49)
أما تقسيم الدكتور غلادنث فهو كالأتي:
1- فترة تأسيس المماليك والولايات: كانت بدايتها قبل القرن العاشر الميلادي إلى آخر القرن الثالث عشر تقريبا.
2- فترة الوفود والحركات الثقافية الإسلامية: وهي من القرن الرابع عشر إلى الثامن عشر تقريبا.
3- فترة دولة سكتو: وبدايتها من العقد الأول من القرن التاسع عشر 1804م) إلى أن اخترمتها الغزوات الفكرية الاستعمارية في سنة 1903).
4- فترة الاستعمار: وتبدأ من سقوط الدولة (1903) إلى عام الاستقلال (1960).
5- فترة ما بعد الاستقلال: وتبدأ من الاستقلال إلى اليوم (50).
و أما تقسيم البروفيسور زكرياء حسين وهو:
1- عصر الاستهلال أو عصر كانم وبرنو والموحدين (1000-1300).
2- عصر الاسترشاد أو عصر الدعاة الوافدين (1300- 1804)
3- عصر الاستقرار أو العصر الفودي ( 1804- 1903)
4- عصر الاستعمار (1903- 1960)
5- عصر الاستقلال ( 1960- 1999)
6- عصر الازدهار ( 2000- إلى ما شاء الله) (51)
وعلى مدى فلسفة تقسيم العصور الأدبية في هذه الديار، بين هؤلاء مؤرخي الأدب الثلاثة، نستنتج ما يأتي من النقاط التي تشير إلي وجوه الاتفاق والاختلاف بينهم.
(1) الاتفاق بين الشيخ الإلوري والدكتور غلادنث في تخميس العصور الأدبية
(2) الاختلاف في نسبة العصور، فالشيخ الإلوري نسب العصور إلي أهم القبائل الذين أظهر الله بها الإسلام واللغة العربية في نيجيريا وأيضا إلي الشخصيات المبرزة في الحركات.ولكن الدكتور غلادنث آثر إسناد كل فترة إلي الحركات والحوادث الهامة التي وقعت فيها. وأما البروفيسور زكرياء حسين فقد جمع بين المذهبين، فأسند إلى القبائل كالإلوري،والى أهم الحركات والحوادث كغلادنث .ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد هو أن البروفيسور زكرياء حسين ،قد استطاع أن يضيف جديدا إلي المعلوم ،وذلك هو العصر السادس الذي عبّر عنه بعصر الازدهار.ولعل ما يلاحظه البروفيسور حول ما اكتسبته الإنتاجات الأدبية النيجيرية بعد الاستقلال من خصائص وسمات- ولو كانت متقاربة ومتشابهة - هو العامل القوي في إضافة العصر السادس.وكما يلاحظ من صنع البروفيسور في هذا المجال أنه غلب عليه استعمال السجع في المسميات.ولعل ما في هذه الكلمات من وجوه المقاربة في المخارج النطقية تعد دلالةً واضحة إلي غرض البروفيسور الحفيّ في التقريب بين مذهب الإلوري ومذهب غلادنث في تقسيم العصور الأدبية في هذه الديار

هوامش الباب الثاني
1- New West-African Atlas (Third Edition), Olaya Fagbemigbe Ltd, Akure, Nigeria, 1977. P. 13.
2- حسب احصائيات سنة 2006م.
3- أحمد سعيد الرفاعي، (1992م)، السياسة النيجيرية، ط1، مطبعة أشيواجو، إكيجا، لاغوس، نيجيريا، ص: 23-24.
4- Reuben K. Udo, Environments And peoples of Nigeria: A Geographical introduction to the History of Nigeria History Pg 7.
5- Ibid, P. 14
6- الإلوري، آدم عبد الله، (1971م) الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي الفلاني، ط 2، أجيجي، لاغوس، نيجيريا.
7- New West African Atlas . P. 14
8- القرناطي، (1925م)، تحفة الألباب، نشر فرار، باريس، لندن، ص 41، المسيحية والإسلام والسلالات الإفريقية (1888م) لندن، ص 350
9- Karl Maier, This House Has fallen, penguin, London / Spectman, Ibadan, 2001, P. 20.
10- CIA-The Word Fact book Google.com
11- سورة آل عمران، آية 84.
12-مقالة بعنوان، آفاق تطوير اللغة العربية في بلاد المسلمين للدكتور الشيخ إبراهيم محمود غوب Google.com.


13- ابن الأثير، أسد الغابة، موقع الوراق، htt://www.alwarraq.com ،
ج1، ص 62.
14- ابن سعيد المغربي، الجغرافيا، موقع الوراق htt://www.alwarraq.com ، باب الإقليم الأول، ج 1، ص: 12.
15- القزويني، زكرياء بن محمد بن محمود (مؤرخ جغرافي)، (1208-1283م)، آثار البلاد. وأخبار العباد، باب بلاد الحبشة، ج 1، ص:6
16- الإلوري، آدم عبد الله، المرجع السابق، ص:18
17- انظر: كتاب الشعوب والسلالات الإفريقية للشيخ محمد عوض محمد، ص:359، وكتاب انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى للشيخ حسن إبراهيم حسن، ص: 310.
18- اختلف المؤرخون في تسمية السلطان نفسه بعد إسلامه فقيل: هو محمد وقيل: عبد الجليل عبد الله أنظر: كتاب الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام للشيخ المقيريزي ص:21-23 وكتاب حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، للدكتور أحمد شيخو غلادنتثى.
19- الإلوري، المرجع السابق، ص: 31
20- الإلوري، المرجع نفسه، ص: 33
21- الإلوري، المرجع نفسه، ص: 34
22- قريب الله بن محمد ناصر كبر، (شيخ) (1424هـ، 2002م) دور الطريقة القادرية في رفع مستوى اللغة العربية والتربية الإسلامية في غرب أفريقيا، ط 1، ص 20
23- وهو أستاذ الحضارة المغربية بمدرسة اللغات الشرقية بباريس، قالها في جريدة لوموند الفرنسية في عام 6/8/1966م.
24- ناصر الدين الأسد، حوار الثقافات: تحرير المصطلح والمنهج، مجلة التواصل، طرابس، العدد الأول، 2004م، ص: 1240.
25- أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، ط 25، دار النهضة للطبع والنشر، القاهر، ص 100
26- الدكتور إبراهيم محمود جوب، المرجع السابق.
27- انظر: رسائل ملك إبادن في "مركز تقييد المخطوطات العربية جامعة إبادن، نيجيريا.
28- علي عبد الواحد وافي، (1945م) علم اللغة، نهضة مصر، القاهرة،
ص 226.
29- أحمد شيخو غلادنتثى حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا
(1414هـ، 1993م) ط 2، شركة العيمان للطباعة والنشر، الرياض، ص 19.
30- هو أستاذ جامعي، لغوي، تربوي، ومدير سابق لكلية التربية، درس في كليات التربية في نيجيريا وهو الآن يدرس في جامعة كدونا في نيجيريا. له مؤلفات نفيسة في فقه اللغة ومقالات أكاديمية قيمة في مجال التعليم العربي ومناهجه.
31- حمزة إشولا عبد الرحيم حوار الثقافات: اللغة العربية والتقدم العلمي والتكنولوجي في نيجيريا في القرن الحادي والعشرين (آلام وآمال)، مجلة التواصل، طرابلس، العدد الأول، 2004م، ص 62.
32- الزنوج بضمة الزاء والنون، قوم من السودان واحدهم زنجي بكسر الزاء، وقد يقال له أيضًا زنج. انظر: المجد في اللغة والأعلام، منشورات دار المشرق، بيروت، ط 28، 1986، ص 307.
33- ar.wikipedia.org/wiki, Google.com.
34- الإلوري، آدم عبد الله، الصراع بين العربية والإنجليزية في نيجيريا. دار التوفيق النموذجية، مصر، ص 5.
35- الإلوري، المرجع السابق، ص 131-132.
36- Google search.www.iu.edu. sa/magazine/6/12/.doc.
37- الإلوري المرجع السبابق ص 32
38- Wikipedia (2006, Oct.): Yoruba in, www.org/wikilYoruba.lang
39- National Yoruba, National Translation Center, in Yoruba, Htm, (2006).
40- A Bamgbose, The English Language in Nigeria in spencer (Ed) The English Language in West African, London, long men, 1971, Pg 36.
41- النظر: رسائل ملك إبادن، المرجع السابق.
42- آدم عبد الله، الإلوري، (1965م)، موجز تاريخ نيجيريا، دار مكتبة الحياة، بيروت، ص 54-56.
43- آدم عبد الله الإلوري، (1982م) لمحات البلوري في مشاهير علماء إلورن، المطبعة النموذجية، مصر، ص 11.
44- داود حميد أوريماديغن، لمحة عن الأدب العربي فى بلاد يوربا (2004م)
ط1،الطيبون –المنظر الإسلامي ،أبيكوتا ،أوغن،ص25.
45-سعد حسين عمر مقبول وعبد الحميد محمد زكرى ،الأدب والنصوص والبلاغة (1456)،ط2،جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ،مكتب الإعلام والبحوث والنشر، ص13،
46- جلال صابر حجازي،في الأدب العباسي والأندلسي ،جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية ،مصر العربية ،ص2-3.
47-وكتاب الثقافة العربية في نيجيريا تأليف الدكتور علي أبي بكر ،من خير البراهين الأدبية في تقسيم الإنتاجات الأدبية إلي القرون ،وإن كان أقل رواجا في الاستعمال من غيره.
48- آدم عبد الله، الإلوري ، مصباح الدراسات الأدبية في الديار النيجيرية ،(1992-1421م)، ط2، ص28.
49- الإلوري، المرجع السابق، ص29-30.
50-غلادنث، شيخو احمد سعيد، حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا،(1414م-1993م) ط2، شركة العيمان للطباعة والنشر، الرياض، ص31.
51- زكرياء حسين المأدبة الأدبية للمدارس العربية في غرب أفريقيا الغربية ،(2000م-1421هـ)،ط1، دار النور للثقافة العربية والإسلامية، أوشي، ص174-181.

هناك 8 تعليقات:

  1. بحث قيم. بارك الله فيه

    ردحذف
  2. ساعدوني في الله: أنا أبحث عن هذا العنوان:-
    المراحل التي مر عليها منهج العربية في النجيريا
    هذا رقمي:- 08060598627

    ردحذف
  3. رائع، جزاكم الله عنا كل خير

    ردحذف
  4. السلام عليكم أنا أبحث عن هذا العنوان :اللغة العربية وتأثيرها في قبائل جنوب نيجيريا.

    ردحذف
  5. تولى الله جزاءكم وأنعم عليكم كل انعام.

    ردحذف
  6. جزاك الله خيرا اخي العزيز

    ردحذف
  7. اتمنى ان يساعد اخوانناا دول الجامعة العربية في تعليم اللغة العربية في انحاء افريقيا الحبيبة لايصال تعليمها الى الكل ومساعدة البعثات الدعوية بالمال اللازم والكفاءات العالية لانها امانة في اعناقنا

    ردحذف